من البديهي اعتبار ظاهرة الفساد معضلة أو آفة تفتك بركائز الدولة وتشكل تهديدا حقيقيا لاقتصاد البلاد ونسيجها الاجتماعي. ففي تونس، تعتبر مقاومة الفساد احدى أهم القضايا التي طرحت بشكل ملفت من خلال المطالب والشعارات المرفوعة خلال انتفاضة 2011. وتواصلت لتصبح مطلبا شعبيا لإنقاذ الدولة من رواسب المفسدين وانعاشها بسياسات ترتكز على الشفافية والديموقراطية ومبدأ المساءلة. ورغم التقدم الملحوظ التي شهدته البلاد التونسية خلال هذه السنوات سواء على مستوى التشريعات أو المؤسسات، الا أن الوضع لا يزال متأزما. أي أن الدولة لا تزال أرضا خصبة لانتشار الفساد وتوسعه ليغزو جميع مفاصل الدولة. وفي إطار يتسم بهشاشة تطبيق مبادئ وحقوق الانسان، يشكل الفساد خطرا أكبر على الفئات المهمشة التي تجد نفسها أكثر عرضة لمختلف أنواع الفساد. اذ يكتسي الفساد خصوصية كبرى مع اختلاف النوع الاجتماعي ومدى تهميشه.
الرشوة الجنسية: غياب الإطار القانوني
ينقسم المصطلح الى مفهومين اثنين: الأول الرشوة ويقصد بها على معنى الفصل الثاني من المرسوم الاطاري عدد 120 لسنة 2011 المؤرخ في 14 نوفمبر 2011 المتعلق بمكافحة الفساد " سوء استخدام السلطة أو النفوذ أو الوظيفة للحصول على منفعة شخصية. ويشمل الفساد خاصة جرائم الرشوة بجميع أشكالها في القطاعين العام والخاص والاستيلاء على الأموال العمومية أو سوء التصرف فيها أو تبديدها واستغلال النفوذ وتجاوز السلطة أو سوء استعمالها والإثراء غير المشروع وخيانة الأمانة وسوء استخدام أموال الذوات المعنوية وغسل الأموال". الثاني "الجنسية" ويقصد بها الاستغلال الجنسي. وتعني " أي إساءة استغلال فعلية أو محاولة إساءة استغلال لحالة ضعف أو لتفاوت في النفوذ أو للثقة من أجل تحقيق مآرب جنسية، مما يشمل على سبيل المثال لا الحصر، تحقيق كسب مالي أو اجتماعي أو سياسي من الاستغلال الجنسي لطرف آخر."[1]
رغم تواتر ظاهرة الرشوة الجنسية بشكل ملفت طيلة الآونة الأخيرة، ورغم توسع المشرع في تكييف الفساد وتعداد أنواعه خاصة مع صدور القانون الأساسي عدد 2016/41 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه، الا أن تداعيات هذه الظاهرة لم تلهم المشرع بعد لإدراج الرشوة الجنسية كنوع من أنواع الفساد. اذ لا يزال تعريفها في القانون التونسي غير واضح ودقيق مما يجعل من تكييف هذه الظاهرة وتحديد مسؤولية الأطراف فيها أمرا ضبابيا وصعبا. مثٌل هذا الصمت القانوني أرضا خصبة لدى الفقهاء لتعريف المصطلح وتحديد أهم ركائزه. وفي هذا الإطار، تم تعريف الرشوة الجنسية بقيام شخص (موظف عمومي أو موظف بالمرفق الخاص) بطلب خدمات جنسية مقابل استحقاقات أو خدمات تتبع وظيفته.[2] يجدر بالذكر أن الرشوة الجنسية تتميز بخصوصية المقابل، اذ اعتدنا أن يكون المقابل في شكل أموال، منقولات، عقارات أو امتيازات. الا أن الأمر يختلف مع الرشوة الجنسية ليكون الاستغلال لغرض خدمة جنسية بحتة.
الرشوة الجنسية والنوع الاجتماعي: أية خصوصية؟
تكتسي جريمة الفساد طابعا خصوصيا لدى المهمشين نظرا لنوعهم الاجتماعي. ومن البديهي نظرا لغياب تطبيق المساواة بين الجنسين اعتبار المرأة مستهدفة وأكثر عرضة لجريمة الرشوة الجنسية. أي يتم استغلال واقعها الاقتصادي والاجتماعي وابتزازها واستغلالها جنسيا مقابل أداء خدمة معينة. يتحول المقابل في جريمة الفساد هنا من تبادلات مالية الى طلب خدمات جنسية. وتتخذ الرشوة الجنسية عدة أشكال كالتحرش الجنسي. ويمكن تكييف جريمة الرشوة في هذا الإطار نوعا من أنواع الاستغلال أو العنف الاقتصادي على معنى الفصل الثالث من القانون أساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. ونظرا الى الوضعية الهشة التي لا تزال تعاني منها المرأة من حيث تطبيق إجراءات الحماية وتفعيل جميع حقوقها، يغدو الأمر لدى مرتكب الجريمة أمرا مستصاغا وسهلا. ويجدر بالذكر أيضا أن من أحد أهم الأّسباب التي أدت الى انتشار هذه الظاهرة الخوف من التبليغ وخشيان الابتزاز وتهديد الطرف المسؤول، ومن نظرة المجتمع التي قد يعتبرها مذنبة ومسؤولة عن طلب مرتكب هذه الجريمة رشوة جنسية. كذلك، قد تجد المرأة نفسها في حاجة ماسة الى العمل، فتتم مقايضتها لتوفير هذه الخدمة وابتزازها ان رفضت ذلك. وقد أدى غياب التبليغ الى صعوبة التعاطي مع هذا النوع من الفساد خاصة في ظل غياب التعاطي الإعلامي الجدي للمسألة. بالإضافة الى استهداف المرأة كطرف ضعيف ومهمش، يتم أيضا استهداف الأقليات الجنسية المهمشة وابتزازهم مقابل خدمة معينة. تجد هذه الفئة كذلك صعوبة كبرى في تتبع الأطراف المسؤولية نظرا لوضعيتهم القانونية والاجتماعية، وعدم ثقتهم في نجاعة القضاء المختص في التتبع والمساءلة.
أية حلول؟
أمام تفاقم ظاهرة الرشوة الجنسية، علينا أن نفكر في حلول لمقاومتها. لذا، على المستوى القانوني، من الضروري اليوم ادراج جريمة الرشوة الجنسية كنوع من أنواع الفساد على مستوى التشريعات المعنية بمكافحة الفساد. ان هذا التكييف من شأنه أن يحدد الأطراف المسؤولة ويوضح إجراءات التتبع العدلية والقضائية. أيضا، على المؤسسات التابعة للمرفق العام أو الخاص السهر على تطبيق مدونة السلوك التي على الموظفين احترامها. كذلك، على المستوى الإعلامي والمجتمع المدني، ممن الضروري تحسيس المرأة بخطورة الظاهرة وتوعيتها بأهمية التبليغ لمحاصرة المتسببين فيها.
[1] مقتطف من نشرة الأمين العام للأمم المتحدة: "تدابير خاصة للحماية من الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي"، لسنة 2017.
[2] Michèle Zirari Devif, juriste et secrétaire générale adjointe de Transparency Maroc, «la corruption sexuelle est le fait pour une personne (fonctionnaire ou employé du privé) d’exiger des faveurs sexuelles en contrepartie d’une prestation qui fait partie de ses fonctions».