لن تتكلم لغتي
و ما زال حملي لقضيتي و وجهتي و سيري و تفردي و أبيتي"
إلا أن تحاملتني العشيرة كلها و أفردت إفراد البعير المعبد"
يلومونني ولا أدري علام يلومونني هل لهويتي أو وجهي أو ما شملته قضيتي.
حمدي ذو الأربع و عشرين عاما ما أن تطأ قدماه أي مكان حتى تجتره الأنظار و تنهمرعليه التعليقات حول الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه لحيته إلا أنه اعتاد على قبول تلك التعليقات بصدر رحب.
لكنه في ذات الحين كان يدرك أن تلك الآراء السامة ستلتهمه يوما و تقحمه في خواء لا خروج منه.
و كانت بداية تلك الدوامة بداية هوس الشرطة بشكله إذ لا يمر يوم دون التثبت من هويته ذهابا و إيابا دون كلل أو ملل قمع يتعلق بكونه إنسان ملتح له هوية أنثوية و تعبير أنثوي.
حياة خارجة عن المألوف منذ بدايتها طلاق من والديه ترعرع في بيئة فرض عليه فيها إنكار ميله إلى الشكل الأنثوي رغم اكتشاف الناس من حوله مليه إلى اللعب بألعاب البنات و ارتداء ملابس أمه, فتمرد وقرر وقف المسرحية الهزلية التي امتصت ريعان شبابه ليخرج إلى العالم بهويته الحقيقة.
هو ذكر ملتحي رفضت الطبيعة منحه ما يريد و وضعت في طريقه دولة و مجتمعي اتخذ من نبذ الاختلاف هدفا ..
الازدراء كان صديقه الصدوق الذي رافقه طوال حياته بمظهر ليس كمظهرهم و سلوك و ذوق و ميولات مختلفة قرر مواجهة شعب له حساسية مفرطة من الاختلاف.
كان يلبس قطعة لينزع أخرى في سرك مهيب يضربه فيه الجمهور و يهينه.
بسبب و دون سبب يضرب حمدي و يهان ويبقى آخر ما يفكر فيه التوجه إلى مركز الشرطة ليقدم شكوى في الغرض.
في تونس أين يمحق المختلف وتداس كرامته اختار حمدي المقاومة و عدم تقديم طلب لجوء و الخروج للأبد من أصقاع بلد نفره لكنه لا يزال متشبثا به حاملا إياه في قلبه آملا أن يمنح حياة غير حياته.
ليل حمدي طويل و نهاره أعظم لولا صديقه الفن، يمارس هويته في التمثيل بجسم مقبل على الحياة بكامل تفاصيله رافضا أن تسلب منه وأن يمحق وجوده تحت أي مسمى.
طريقه في الجامعة كان سهاما تنتظره أمام كل المدارج لكنه بقي يقاوم حتى آخر نفس و نال أستاذيته في العربية متفوقا في مجموعته معتمدا مبدأ النجاح وحده من سينقذني من هذا الخراب.
لكنه ورغم محاولاته التي لا تنتهي المرجل الحميمي من تحته لم يهدأ،إذ كانوا دائما ما يقيمون عليه الأذان في غير موعده لكن ذخيرته في هذه الحرب البسوس لا تفنى.
ولو تأملوا وجهه مليا لرصدوا بخط عريض أن من اختار المقاومة مرة سيختارها دائما و ستكون هي رفيقة دربه و خليلة روحه إلى أن تخترمه الليالي و يصبح ثالث الحجارة و التراب.