× Bloggers About Us EL Manifesto Accreditation System Terms and conditions Privacy Policy
logo

Iblog is a collective blog and the first inclusive platform in Tunisia.

شركات البيئة في تونس : مسكنات ظرفيّة ومستقبل مظلم

عندما نجحت مريم (اسم مستعار) في مناظرة جهوية للالتحاق بشركة البيئة و الغراسة و البستنة بقبلي سنة 2019،  توقعت أن وضعيتها المادية ستتحسن بعد سنوات من العمل في وظائف متدنية.

وتضيف مريم ، البالغة من العمر 40 عاما، "عملت لسنتين مع شركة مقاولات أتقاضى خلالها 250 دينارا شهريا. و رغم ضعف ذلك الراتب، كنت أتلقاه بانتظام ويمكنني من مساعدة زوجي على تغطية مصاريفنا اليومية.

تضاعف راتب مريم ليصبح 540 دينارا بعد أن أصبحت "عون تنفيذ"، لكن لم يطرأ أي تغيير على وضعية عائلتها المركبة من أربعة أفراد:" نتعرض لأبشع أنواع المماطلة والتسويف قبل صرف أجورنا. وفي الوقت الرّاهن، لم نتلق أي أجر منذ أربعة أشهر و لولا دعم عائلتي الموسعة لعجزت عن مجابهة هذه الأزمة."

و تضم شركة البيئة و الغراسة و البستنة بقبلي 590 عون وإطار، أكثر من نصفهم إناث ، و يعمل أغلبهم مع المندوبيات الجهويّة للتربية والتعليم والبلديات.

وتعاني الشركة، التي تأسست لدعم السلم الاجتماعي وخلق فرص عمل ، من أزمة مادية خانقة بسبب عدم تلقيها تمويلات من الشركات البترولية العاملة بالجهة لتسديد رواتب موظفيها.

الهجرة و أعمال إضافية

 قام أعوان شركة البيئة و الغراسة و البستنة بقبلي باحتجاجات عديدة لم تسفر عن تحقيق نتائج تذكر، و هو ما أجبر عددا منهم على مغادرة الشركة و الهجرة إلى أوروبا عبر البحر أو  طريق البلقان .

و أشارت مريم إلى أن بعض زميلاتها التجأن إلى اقتحام مجال بيع الملابس [في منازلهنّ] لتوفير مصدر دخل إضافي في ظل انحسار مواردهنّ وغياب رؤية واضحة حول ديمومة الشركة.

ولا يبدو الوضع أفضل حالا في تطاوين، إذ تأخّر صرف أجور أعوان شركة البيئة و الغراسة و البستنة  بتطاوين  في عدة مناسبات، كما أوقفت الشركة عملية انتداب 1000 موظف نص عليها اتفاق الكامور.

وفي نوفمبر 2020، أبرمت الحكومة التونسيّة و وفد جهوي يمثل ولاية تطاوين تتقدمه تنسيقيّة اعتصام الكامور اتّفاقا لإنهاء الاعتصام الذي امتدّ لأربعة أشهر و شلّ امدادات  إنتاج النفط  في الجنوب التونسي.

و نصّ  بند في الاتفاق على  توظيف 1000 عون وإطار في شركة البيئة والغراسة و البستنة وتصنيفها كشركة ذات مساهمة عموميّة تحت إشراف وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصّيد البحري في أجل أقصاه 16 ماي 2021 ، لكن هذا القرار بقي حبرا على ورق ، مثيرا احتقانا كبيرا في الجهة.

عمل حقيقي أو وهميّ؟

ظهرت شركات البيئة  و الغراسة و البستنة  في تونس سنة 2008   اثر انتفاضة الحوض المنجمي في ولاية ڤفصة، حيث تأسست أول شركة بقرار حكومي بهدف  خلق مواطن شغل  جديدة بعيدا عن  قطاع الفسفاط الذي لم يعد قادرا على توظيف أعداد إضافية ، حلّ أثبتت الوقائع أنه ضاعف مشاكل  شركة فسفاط ڤفصة ولم يحل أزمة البطالة في الجهة.

وتضمّ شركات البيئة في تونس حاليا أكثر من 17000 عون وإطار (مقارنة ب2700 عون فقط قبل الثورة) موزعين على كل من ولايات ڤفصة وقابس وصفاقس وتطاوين وقبلي.

و كشف تحقيق لبرنامج الحقائق الأربع، الذي تبثه قناة الحوار التونسي الخاصة، أنّ عددا من شركات البيئة "مجرد شركات وهمية بمقرات مغلقة و عمال غير مباشرين لنشاطهم." و رغم تعرض التحقيق لحملة تشكيك، لا يمكن الجزم بأن كلّ شركات البيئة تمارس عملا وهميا لكنها تشترك جميعا في عدم قدرتها على ضمان ديمومتها خارج مظلة الدعم الحكومي.

وفي تصريح صحفي سابق، نوّه عبد الوهاب الخماسي الرئيس المدير العام السابق  للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية  (حكوميّة)  إلى أن المؤسسة تتكفل بخلاص 2500 عامل في شركة البيئة و الغراسة والبستنة في تطاوين، بكلفة شهرية تقدّر بـ 3.3 مليون دينار، دون تحقيق مداخيل تذكر.

وقال الخماسي أن المؤسسة راسلت سلطة الإشراف بخصوص شركات البيئة والبستنة باعتبارها تمثل عبئا  على المؤسسة التي تعاني أساسا من صعوبات مالية.

وأكدت وزارة الصناعة أن  حجم الاجور بشركات البيئة والغراسة والبستنة بلغ حوالي 134 مليون دينار (احصائيات سنة 2017)، معترفة بضرورة" بلورة تصور وطني لتفعيل هذه الشركات " و مشيرة إلى أنّه "أمر يتجاوز بكثير صلاحيات وزارة الصناعة ويتطلب بعض التنازلات."

و أبرزت الأستاذة والباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي أن شركات البيئة  و الغراسة و البستنة  في تونس هي "إطار هش لعمل مؤقت لسد الأفواه"، معتبرة أنّها نشأت كمُسكّن استعملته الدولة للحد من المطلبية وشراء السلم الاجتماعي.

و اعتبرت صابرين ، في تصريح لمنصة "IBlog"، أنّها تتوقع أن يلجأ أعوان شركات البيئة إلى تنظيم حركات احتجاجية موحدة للضغط ودفع الحكومة لإدماجهم في الوظيفة العمومية.

و أوضحت الباحثة في علم الاجتماع أن هذه الشركات تفتقر لتنظيم إداري واضح وهو ما حدّ من نجاعتها و جعلها هاجسا يؤرّق الحكومات المتعاقبة.

و تفاعلا مع الحركات الاحتجاجية لعدد من أعوان شركات البيئة بسبب تؤخر صرف الأجور، عقدت رئاسة الحكومة عدة جلسات  عمل وزارية  آخرها يوم 27 جانفي 2023 والتي تطرقت  إلى وضعية شركتي البيئة والغراسة والبستنة بكل من تطاوين وقبلي وأكدت خلالها  رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان "وجوب إجراء تشخيص دقيق لوضعية الشركتين من حيث الجانب المالي وطبيعة المهام الموكولة اليهما."

كما دعت  إلى ضرورة تطوير الأنشطة الاقتصادية للشركتين، عبر وضع إطار قانوني مناسب  بما يضمن ديمومتهما ويساهم في إنجاز مشاريع تدعم مواردهما الذاتية.

 

 

Press ESC to close