نشرت الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهوريّة الغينيّة على الفيسبوك صورا توثق لحظات مؤثّرة لحلول طائرة "إجلاء" المواطنين الغينيين من تونس بعد الهجمة العنصريّة الّتي تعرضوا إليها إثر ماورد في بيان رئاسة الجمهوريّة التونسيّة العنصري من تحريض على مهاجري جنوب الصحراء الإفريقيّة.
إرتمى العائدون من تونس في أحضان "مامادي دومبويا" باكين من هول ماعاشوه من وحشيّة وكراهية في بلد ظنّوه ديمقراطيّا يحترم حقوق الإنسان ويحفظ كرامته. نساء وأطفال ورجال عادوا منكوبين إلى وطن تركوه مكرهين بحثا عن حياة أفضل.
تقول جدّتي "وكرك وكرك لو كان عالعود الشايح"، ولكن لم؟ لم علينا تحمّل أوطان تلفظنا ؟
لم لا يعانق الرئيس إلاّ المنكوبين أو المهجّرين أو المفقّرين والمهمّشين؟
يوم السبت 13 أوت 2022، زار الرئيس قيس سعيّد منطقة حي هلال الّتي تعدّ من أفقر الأحياء الشعبيّة في تونس، "وفي ختام هذه الزيارة، حمل رئيس الجمهورية معه إلى قصر قرطاج أفراد عائلة تقطن بغرفة على وجه الفضل ولا عائل لها سوى الأم التي ليس لها موطن شغل قار.[2]" وعانق الرئيس الصغيرات والتقطت له الكاميرات عدّة صور تذكاريّة تخلّد ذكرى "عطفه" على مواطنين جاء أساسا لخدمتهم.[3
يقال أنّ السيّد رئيس الجمهوريّة تكفّل من ماله الخاص بدفع أجرة كراء بيت يأوي هذه العائلة لمدّة سنة. بعد أن كانت تقطن على وجه الفضل، صارت تقطن على وجه الفضل الرئاسيّ. تصدّق الرئيس على عائلة كان يمكن ألاّ تتحوّج إليه لو قام بدوره كرئيس دولة لا كولي نعمة. كان يمكن ألاّ تتحوّج إليه وألاّ تترتمي في أحضانه تلك العائلة لو تذكّر أنّه جاء ليخدمهم لا كي يمنّ عليهم.
هكذا هم الرؤساء تنسيهم السلطة أنهم خدام القوم لذلك فقط هم سادة. عناق الرئيس إحدى الطرق القليلة التي تشعرنا بأن لهؤلاء الأشخاص مشاعر وأحاسيس. عانق الرئيس امرأة مسنة قابلها في زيارة في السوق وعانق فتاة صغيرة وعانق جريح الثورة ومازال سيعانق اخرين وأخريات. جميل ذلك التعاطف والإحساس بأوجاع الاخرين ولكن لا يحتاج هؤلاء الناس إلى عناق من الرئيس ولا إلى قبلة يطبعها على جباههم. تجف القبلات ولا تجف دموع الناس.
سيدي الرئيس، "حنّ الدجاجة بلا حليب" وحنان الرئيس بالقرارات لا بالأحضان.
ألم يكن في مقدور الرئيس قيس سعيّد أن يغيّر حياة الكثيرين من أشباه هذه العائلة لو إتّخذ قرارات حقيقيّة تؤثّر في حياة الملايين من التونسيين؟
حسب آخر تقرير للمعهد الوطني للإحصاء فإنّ نسبة الفقر في تونس ارتفعت لتبلغ 16,6% في سنة 2021. حوالي مليوني تونسي يعتبرون فقراء أي أنّ انفاقهم الشهري لا يتجاوز 450 دينار، في دولة تسجّل نسبة تضخّم من رقمين وفاصلة (10,4%).
وحتى نسبة الفقر المدقع التّي استقرت في نسبة 2,9% منذ 2015 تعني هي الأخرى ارتفاع عدد الفقراء (فقرا مدقعا) فعدد السكان ارتفع مقارنة بسنة 2015.[4]
هل سينتظر كلّ هؤلاء قرعة "الغرين كارد" لقيس سعيّد ؟ لن يتحسن حال هؤلاء إلا إذا شاءت لهم الصدف أن يعترضوا طريق الرئيس في احدى زياراته في الأحياء. لن يتحسن حال هؤلاء إلاّ إذا تعاطف معهم الرئيس ونالوا شرف عناقه.
بعد حادثة إطلاق نار مدرسة ساندي هوك الابتدائية، بالولايات المتحدة الأمريكيّة ديسمبر 2012 والّتي أسفرت عن مقتل 20 طفلا أعمارهم تتراوح بين 5 و 10سنوات. بدا الرئيس باراك اوباما متأثرا في الخطاب الّذي ألقاه يوم الحادثة، تأثّر حد البكاء وأبدى تعاطفا كبيرا مع الضحايا وأهاليهم وأهالي الأطفال الناجين كذلك.
عندما قال باراك أوباما "بغض النظر عن السياسة"[5] في رده على إطلاق النار على ساندي هوك ، كان يشدد على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات بشأن عنف السلاح الذي يتجاوز السياسات الحزبية. كان يعترف بأن قضية السيطرة على الأسلحة مسيسة إلى حد كبير، مع وجود انقسامات عميقة بين المشرع والجمهور حول أفضل السبل لمعالجة المشكلة. بقوله "بغض النظر عن السياسة" ، كان أوباما يحث الأمريكيين على تنحية خلافاتهم السياسية جانبًا والعمل معًا لإيجاد حلول من شأنها أن تساعد في منع المآسي المستقبلية مثل تلك التي حدثت في ساندي هوك.
كان يقول إن قضية عنف السلاح مهمة للغاية بحيث لا يمكن وضعها كرهينة للمواقف السياسية .
لكن لم يتوقف الأمر عند الخطاب والتأثر وذرف الدموع، فقد قام أوباما بتكليف نائب الرئيس جو بيادن (الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكيّة) بإعداد مقترح للحد من العنف المسلّح وقد تم إعداد وثيقة الإجراءات التنفيذيّة في جانفي 2013 (بعد أقل من شهر من الحادثة)[6]وانطلق في حملة مناصرة في علاقة بمشكلة استعمال الأسلحة وقام أكثر 350 ألف مواطن أمريكي بالتوقيع على عريضة تم نشرها على موقع البيت الأبيض. هذا فضلا عن تقديم مشروع قانون لم ينجح في جني الأغلبية اللازمة.
عموما، كثيرا ما يستعمل القادة أسلوب التعاطف وقت الأزمات، فهو أسلوب فعّال جدا لإكسابهم شعبيّة أو محافظتهم على شعبية مهددة، قد يكون التأثّر والتعاطف صادقا في أغلب الأحيان لكنّه يمكن أن يكون كذلك مصطنعا ووسيلة تواثليّة سياسيّة بحتة، بدليل عدم اتباعها بقرارات وسياسات عامّة حقيقة واستعمال لكلّ مالهم من سلطات وصلاحيات لجعل حياة المواطنين أفضل وإلاّ "إيش إستفادت الأمّة؟". فمخزون التعاطف يستنفد وقدرة المواطنين على التأثر بهذا الأسلوب محدودة وعواقب غضب الشعوب عادة ماتكون وخيمة.
مثال ذلك، خطاب زين العابدين بن علي يوم 13 جانفي 2011، المعروف بخطاب "أنا فهمتكم" الّذي حاول من خلاله استمالة الشعب وثنيهم عن مواصلة التظاهر، يثبت أنّ إبداء التعاطف وسيلة للرؤساء وقت الأزمات.
"حزني وألمي كبيران... أولادنا أًصبحنا خايفين عليهم" "الكرتوش ماعندوش مبرر".
ظهر بن علي يستجدي الناس وأظهر وجها لم يشهده التونسيون من قبل كان خائفا، كان مهادنا، يطلب من الشعب أن يبقيه سيّد القوم وفي المقابل سيكون خادما لهم.
لكن دموع الرؤساء تسخف كان ....
[1] الصورة من الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية الغينية
[2] من منشور صفحة رئاسة الجمهوريّة التونسيّة بتاريخ 13 أوت 2022
https://www.facebook.com/photo/?fbid=433855288773077&set=pcb.433855938773012
[3] https://www.facebook.com/photo/?fbid=433855288773077&set=pcb.433855938773012
[4] http://www.ins.tn/ar/publication/ntayj-almsh-alwtny-hwl-alanfaq-walasthlak-wmstwy-ysh-alasr-lsnt-2021